}.
التوبة/128
التوبة/128
أستاذ العرفان والأخلاق:
يقول أحد تلامذة العلامة الطباطبائي رحمه الله :
كان المرحوم السيد علي القاضي – استاذ العلامة الطباطبائي في العرفان والذي تقدمت ترجمته – من الناحية العملية آية عجيبة ، ويعرف أهل النجف وخصوصاً أهل العلم الكثير من قصصه.. كان في منتهى الفقر ، وكانت عائلته كبيرة ، وكان في منتهى التسليم والتفويض والتوحيد، بحيث لم تخرجه هذه العائلة درة عن مساره..
حدثني أحد أصدقائي في النجف ، وهو فعلاً من أعلامها فقال : ذهبت ذات يوم إلى دكان بائع الخضار ، رأيت المرحوم علي القاضي منحنياً ينتقي الخس إلا أنه على عكس المتعارف ، كان يختار الخس الذابل ذا الأوراق الخشنة.
وقفت أتأمله بدقة إلى أن نهض من الانتقاء ، وقدم الخس لصاحب الدكان ليزنه .. ووضعه السيد تحت عباءته ومضى ، وكنت عندها طالباً شاباً ، وكان المرحوم القاضي رجلاً مسناً .. فتبعته وقلت له : مولاي!.. لدي سؤال .. لماذا اخترت بعكس الجميع الخس غير المرغوب فيه ؟..
قال : عزيزي ، هذا الرجل بائع فقير ، وأنا أساعده أحياناً ، ولا أريد أن أعطيه شيئاً بلا عوض لأحفظ له عزته وماء وجهه أولاً ، ولا يعتاد على "الأخذ" مجاناً فيتكاسل في الكسب ثانياً.
وبالنسبة لنا لا فرق بين الخس الطري والناعم أو هذا الخس ، وأنا أعلم أن هذا الخس لن يشتريه منه أحد ، وعندما يقف دكانه ظهراً سوف يلقي بها بعيداً ، ومنعاً لتضرره وخسارته فقد اشتريت هذا منه.. [مهرتابان/20].
وقد شاهدت شبيه ذلك من أحد أساتذة الحوزة العلمية في قم ، وهو من تلامذة المرحوم القاضي بالواسطة ، وعجبت من إيثار ذلك الرجل وعظمته .
كان المرحوم السيد علي القاضي – استاذ العلامة الطباطبائي في العرفان والذي تقدمت ترجمته – من الناحية العملية آية عجيبة ، ويعرف أهل النجف وخصوصاً أهل العلم الكثير من قصصه.. كان في منتهى الفقر ، وكانت عائلته كبيرة ، وكان في منتهى التسليم والتفويض والتوحيد، بحيث لم تخرجه هذه العائلة درة عن مساره..
حدثني أحد أصدقائي في النجف ، وهو فعلاً من أعلامها فقال : ذهبت ذات يوم إلى دكان بائع الخضار ، رأيت المرحوم علي القاضي منحنياً ينتقي الخس إلا أنه على عكس المتعارف ، كان يختار الخس الذابل ذا الأوراق الخشنة.
وقفت أتأمله بدقة إلى أن نهض من الانتقاء ، وقدم الخس لصاحب الدكان ليزنه .. ووضعه السيد تحت عباءته ومضى ، وكنت عندها طالباً شاباً ، وكان المرحوم القاضي رجلاً مسناً .. فتبعته وقلت له : مولاي!.. لدي سؤال .. لماذا اخترت بعكس الجميع الخس غير المرغوب فيه ؟..
قال : عزيزي ، هذا الرجل بائع فقير ، وأنا أساعده أحياناً ، ولا أريد أن أعطيه شيئاً بلا عوض لأحفظ له عزته وماء وجهه أولاً ، ولا يعتاد على "الأخذ" مجاناً فيتكاسل في الكسب ثانياً.
وبالنسبة لنا لا فرق بين الخس الطري والناعم أو هذا الخس ، وأنا أعلم أن هذا الخس لن يشتريه منه أحد ، وعندما يقف دكانه ظهراً سوف يلقي بها بعيداً ، ومنعاً لتضرره وخسارته فقد اشتريت هذا منه.. [مهرتابان/20].
وقد شاهدت شبيه ذلك من أحد أساتذة الحوزة العلمية في قم ، وهو من تلامذة المرحوم القاضي بالواسطة ، وعجبت من إيثار ذلك الرجل وعظمته .
___________________________________________
عتاب الاستاذ:
كان السيد جواد العاملي الفقيه المعروف – صاحب كتاب"مفتاح الكرامة" يتناول طعام العشاء ، فسمع الباب يطرق ، وعندما عرف أن الطارق هو خادم استاذه السيد مهدي بحر العلوم أسرع نحو الباب.. قال الخادم : السيد الاستاذ يطلب مجيئك الآن ، وضع الطعام أمامه ولكنه لن يبدأ قبل أن تذهب إليه .
ودون أن يكمل السيد جواد تناول عشائه ، أسرع إلى بيت السيد بحر العلوم ، وبمجرد أن وقعت عين الاستاذ عليه قال له بغضب وحدة لا عهد له بهما من قبل :
- سيد جواد أما تخاف الله ؟!.. أما تستحي من الله ؟!..
واستبدت الحيرة بالسيد جواد .. ماذا جرى ؟.. وما الأمر ؟.. لم يعاتبه السيد طيلة حياته بمثل ذلك العتاب ، وحاول جاهداً أن يهتدي إلى السبب فلم يفلح ، ولم ير بداً من السؤال.
- هل يمكن أن يتفضل السيد الاستاذ بذكر التقصير الذي حصل مني ؟..
- منذ سبعة أيام بلياليها وجارك ( الشيخ محمد نجم العاملي ) لا سبيل له إلى القمح والأرز ، وهو في هذه المرة يستدين التمر الزهدي من البقال المجاور ، ويقتات به مع عياله ، واليوم ذهب ليستدين التمر وقبل أن يطلب ذلك قال له البقال : أصبح دينك كبيراً ، فخجل بعد ذلك أن يطلب شيئاً ورجع إلى البيت صفر اليدين ، وبقي هو وعائلته بدون طعام .
- أقسم بالله أني لم أعلم بذلك أبداً ، ولو أني علمت لقمت بما يجب .
- كل إنكاري عليك لأنك لا علم لك بأحوال جارك ، لماذا يمضون سبعة أيام بلياليها هكذا، وأنت لا تعلم ، ولو أنك كنت تعلم ولم تفعل شيئاً لقلت لك : يا يهودي أو يا نصراني .
- وماذا تأمر الآن ؟..
- يأخذ خادمي هذه الصينية من الطعام إلى باب ذلك الرجل ، وعند الباب تأخذ الصينية أنت وتطرق الباب ، وتطلب منه أن تتناولا طعام العشاء معاً وخذ هذا المال وضعه تحت سجادته أو حصيره ، وتعتذر منه على تقصيرك في حقه مع أنه جارك ، واترك الصينية هناك وتعال ، ولن أتعشى حتى تأتي وتخبرني بما جرى .
وحمل الخادم الصينية الكبيرة ، وعليها أنواع الطعام اللذيذ ، ومضى مع السيد جواد ، وعند الباب تناول السيد جواد الصينية ورجع الخادم .
ودخل السيد جواد ، وبعد أن سمع صاحب البيت اعتذاره ورجاءه تناول الطعام ، أكل لقمات فعرف أنه ( لم يحضر في منزل السيد جواد العاملي ) فما كان منه إلا أن قال : هذا الطعام ليس طبخاً عربياً وعليه فليس من بيتك ، وإذا لم تقل من أين فلن آكل أبداً .
وعبثاً حاول السيد جواد أن يثنيه ، ولم ير في النهاية بداً من إخباره بكل ما كان ، ووافق الشيخ على تناول الطعام قائلاً :
عجيب أمر هذا السيد فوالله لم يطلع على سري أحد ، فمن أين عرف !..
ينقل المرحوم النوري – صاحب المستدرك – في كتابه "الكلمة الطيبة" هذه القصة عن المولى زين العابدين السلماسي الذي كان من خواص السيد بحر العلوم ، ويذكر اسم الشيخ محمد نجم العاملي ، وأن المبلغ الذي قدم إليه كان ستين شوشاً ، وهو الوحدة النقدية المتداولة آنذاك .[داستان راستان/ج2/50 ، والكلمة الطيبة/287، والفوائد الرضوية/89، والكنى والألقاب/ج2/69-70].
ودون أن يكمل السيد جواد تناول عشائه ، أسرع إلى بيت السيد بحر العلوم ، وبمجرد أن وقعت عين الاستاذ عليه قال له بغضب وحدة لا عهد له بهما من قبل :
- سيد جواد أما تخاف الله ؟!.. أما تستحي من الله ؟!..
واستبدت الحيرة بالسيد جواد .. ماذا جرى ؟.. وما الأمر ؟.. لم يعاتبه السيد طيلة حياته بمثل ذلك العتاب ، وحاول جاهداً أن يهتدي إلى السبب فلم يفلح ، ولم ير بداً من السؤال.
- هل يمكن أن يتفضل السيد الاستاذ بذكر التقصير الذي حصل مني ؟..
- منذ سبعة أيام بلياليها وجارك ( الشيخ محمد نجم العاملي ) لا سبيل له إلى القمح والأرز ، وهو في هذه المرة يستدين التمر الزهدي من البقال المجاور ، ويقتات به مع عياله ، واليوم ذهب ليستدين التمر وقبل أن يطلب ذلك قال له البقال : أصبح دينك كبيراً ، فخجل بعد ذلك أن يطلب شيئاً ورجع إلى البيت صفر اليدين ، وبقي هو وعائلته بدون طعام .
- أقسم بالله أني لم أعلم بذلك أبداً ، ولو أني علمت لقمت بما يجب .
- كل إنكاري عليك لأنك لا علم لك بأحوال جارك ، لماذا يمضون سبعة أيام بلياليها هكذا، وأنت لا تعلم ، ولو أنك كنت تعلم ولم تفعل شيئاً لقلت لك : يا يهودي أو يا نصراني .
- وماذا تأمر الآن ؟..
- يأخذ خادمي هذه الصينية من الطعام إلى باب ذلك الرجل ، وعند الباب تأخذ الصينية أنت وتطرق الباب ، وتطلب منه أن تتناولا طعام العشاء معاً وخذ هذا المال وضعه تحت سجادته أو حصيره ، وتعتذر منه على تقصيرك في حقه مع أنه جارك ، واترك الصينية هناك وتعال ، ولن أتعشى حتى تأتي وتخبرني بما جرى .
وحمل الخادم الصينية الكبيرة ، وعليها أنواع الطعام اللذيذ ، ومضى مع السيد جواد ، وعند الباب تناول السيد جواد الصينية ورجع الخادم .
ودخل السيد جواد ، وبعد أن سمع صاحب البيت اعتذاره ورجاءه تناول الطعام ، أكل لقمات فعرف أنه ( لم يحضر في منزل السيد جواد العاملي ) فما كان منه إلا أن قال : هذا الطعام ليس طبخاً عربياً وعليه فليس من بيتك ، وإذا لم تقل من أين فلن آكل أبداً .
وعبثاً حاول السيد جواد أن يثنيه ، ولم ير في النهاية بداً من إخباره بكل ما كان ، ووافق الشيخ على تناول الطعام قائلاً :
عجيب أمر هذا السيد فوالله لم يطلع على سري أحد ، فمن أين عرف !..
ينقل المرحوم النوري – صاحب المستدرك – في كتابه "الكلمة الطيبة" هذه القصة عن المولى زين العابدين السلماسي الذي كان من خواص السيد بحر العلوم ، ويذكر اسم الشيخ محمد نجم العاملي ، وأن المبلغ الذي قدم إليه كان ستين شوشاً ، وهو الوحدة النقدية المتداولة آنذاك .[داستان راستان/ج2/50 ، والكلمة الطيبة/287، والفوائد الرضوية/89، والكنى والألقاب/ج2/69-70].
___________________________________________
لم يحرم فقيراً:
نقل عن المرحوم الشيخ محمد صالح البرغاني قول : قال أبي : رأيت في النوم أن النبي الأكرم (ص) جالس والعلماء بين يديه ، والمقدم عليهم جميعاً هو ابن فهد الحلي .. تعجبت كيف أن هؤلاء العلماء جميعاً مع ما لهم من المقام والشهرة يجلسون دون ابن فهد ، مع أنه ليس مشهوراً كثيراً بين العلماء ، ولذا سألت رسول الله (ص) فقال صلوات الله عليه : سبب ذلك أن العلماء الآخرين كانوا إذا جاءهم فقير وعندهم مال للفقراء يعطونه ، أما إذا لم يكن عندهم من ذلك لا يعطونه .. أما ابن فهد فإنه لم يرد فقيراً أبداً صفر اليدين ، وإذا لم يكن عنده مال مخصص للفقراء كان يعطيهم من ماله ، ولذا أحرز هذه المرتبة دونهم . [بيداركَران أقاليم قبله/216/217، وقد وردت القصة في كتاب "حسد" ص800 مختلفة عما ذكر هنا].
___________________________________________
ويؤثرون على أنفسهم:
قال حجة الإسلام الشيخ محسن قراءتي :
قبل انتصار الثورة الإسلامية ذهب أحد الروحانيين المخلصين للتبليغ إلى إحدى القرى ، لو يكن في تلك القرية ماء للشرب ، وكان الأهالي بيذلون جهداً كبيراً ، ويتحملون مشقات كثيرة للحصول على الماء ، ولم يكن باستطاعتهم تأمين مبلغ لمد شبكة الماء إلى قريتهم..
وعندما رجع هذا المبلغ المخلص إلى قم ، باع منزله الذي كان يسكن فيه ، وأمن وصول الماء إلى تلك القرية ، وسكن هو في بيت استأجره ، وقد ظل مستأجراً إلى أن توفي رحمه الله ، وأولاده الأيتام الآن كذلك.
وأضاف الشيخ قراءتي :
عندما ذكرت هذه القصة في درس في التلفزيون ، اتصل بي تلفونياً شخص من أهل الخير قائلاً : أنا مستعد ثمن بيت لأبناء هذا المبلِّغ ، وفعلاً سلمني المبلغ ودفعته إلى أولاده .
{ لمثل هذا فليعمل العاملون }. [سورة الصافات، الآية 61].
قبل انتصار الثورة الإسلامية ذهب أحد الروحانيين المخلصين للتبليغ إلى إحدى القرى ، لو يكن في تلك القرية ماء للشرب ، وكان الأهالي بيذلون جهداً كبيراً ، ويتحملون مشقات كثيرة للحصول على الماء ، ولم يكن باستطاعتهم تأمين مبلغ لمد شبكة الماء إلى قريتهم..
وعندما رجع هذا المبلغ المخلص إلى قم ، باع منزله الذي كان يسكن فيه ، وأمن وصول الماء إلى تلك القرية ، وسكن هو في بيت استأجره ، وقد ظل مستأجراً إلى أن توفي رحمه الله ، وأولاده الأيتام الآن كذلك.
وأضاف الشيخ قراءتي :
عندما ذكرت هذه القصة في درس في التلفزيون ، اتصل بي تلفونياً شخص من أهل الخير قائلاً : أنا مستعد ثمن بيت لأبناء هذا المبلِّغ ، وفعلاً سلمني المبلغ ودفعته إلى أولاده .
{ لمثل هذا فليعمل العاملون }. [سورة الصافات، الآية 61].