السلام عليكم
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم
أحمد الله مولي النعم، ومقدرها في القدم، الموصوف بالعطاء منا منه والكرم.
وصلواته على محمد النهاية في العظم، وخاتم الرسل إلى الخلائق والأمم،
وعلى آله المخصوصين بأحسن الشيم وأحكم الحكم،
وصحبه ناصري الإسلام ومظهريه في العرب والعجم.
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
كثيرٌ منا من مر بهذا الشعور ، التأنيب الذاتي الدفين ، من أين يأتي ؟
وكيف يولد وسط مشاعر متناقضة من الانفعالات ..؟؟
هل إن الضمير لا يستفيق إلا عند أحداث ٍ معينة ، مثل ارتكاب خطأ ما ، تفسره أنفسنا بأنه خطأ ، كقيامنا بصدم قطة بسيارة مثلاً ..؟
هل هو مجرد تنبيه بأن ذلك الحادث ربما غير المقصود قد آذى مخلوقاً آخر ، والتأنيب جزء من شعور مؤلم ، أو إشارة إلى ما مر به ذلك المخلوق ؟؟
أم ترى انه " منظومة " خفية في اللاشعور تعمل بتناسق وتناغم من المفاهيم والمبادئ ومنها التراحم فيما بين البشر أنفسهم وبينهم وبين باقي المخلوقات .. ، وعند حصول أي حادث فإن هذه المنظومة المتوازنة يحدث فيها اختلال يتجلى في النفس البشرية بأنه عذاب للضمير ، أي إن الضمير حي ٌ وفاعل دائماً في أنفسنا لكننا قد لا نشعر به إلا عند حوادث معينــة ..؟؟
هل الضمير إذن منظومة ضمن منظومات أخرى في النفس البشرية حية ٌ وفاعلة يستجيب لها العقل البشري بصورة كلية ولكن بترجيح منظومة على أخرى ، وعند زوال تأثير منظومة يستجيب الدماغ لمنظومة جديدة مثل " الضمير " الذي يؤنبنا على حدث ٍ قمنا به أحيانا بعصبية و انفعال ، فنرتكب أخطاء ً متعمدة بملئ الإرادة ، كيف استجاب العقل للسلوك الأول ، ولماذا يندم عليه فيما بعد ..!؟
سيكون الضمير هو المفتاح لدراسة باقي مكونات " العقل Mind " الخفية ، العقل كبرنامج " واعي " في آلـــة بيولوجية اسمها " الدماغ Brain " ..
منظومات الوعـــي
يمكننا أن نتابع ببساطة مراحل حياتنا ، مستذكرين شريط الذكريات ، متتبعين نمو الانفعالات والوعي بين الطفولة والمراهقة والشباب والشيخوخة ...
سنلاحظ بأن " نموا ً " معينا ً كان يطرأ على وعينا مبتدءاً بمرحلة من العماء ، المرحلة التي يقص عنها سلوكنا أهلونا قبل الرابعة من العمر دون أن نذكر منها أي شيء ..؟؟!
مروراً بمرحلة الطفولـــة ، مرحلة ٌ نسترجع من ذكرياتنا عنها سلوكياتٍ " صبيانية " غرائزية بشكل مطلق ، فالطفولة تبدأ فيها التربية الأسرية والمجتمعية بأخذ دورها في " تقليم " سلوكياتنا البدئية المعتمدة على الغريزة .. وباستمرارنا في استذكار شريط ذاكرتنا الشخصية ، نجد بأننا في طفولتنا قد خضنا صراعاتٍ مريرة بين " الميول الغريزية " و " المثل العليا " التي ربتنا عليها الأسرة والمجتمع ، فكان سلوكنا في فترة المراهقة والشباب " خليطاً " بين النزعات البدئية الذاتية وبين هذه المثل المجتمعية ...
وهكذا ، نستنتج ببساطة ، أن الوعي يتشكل في أدمغتنا كمحصلة لهذا الصراع ..
الإشكال الذي يقع به اغلب والناس في فهمهم للضمير ( ومن بينهم النفسانيين ) هو الآتي :
يعتقد اغلب الناس وبسبب ميولهم الدينية أن الضمير هو " ومضة " من الروح التي تسكن الجسد ، والكثير من مختصي علم النفس يجدها من الأدلة على وجود قوى الروح الخفية في العقل ..
فيما الأناس ذوي التفسير المادي ومن بينهم اغلب النفسانيين ، ومنهم سيجموند فرويد ، أن الضمير ما هو إلا رد فعل من اللاشعور في العقل نابع من تراكمات " المثل العليا " التي ربانا عليها المجتمع ، ويدعونها " الأنا العليا Super Ego " ، فالميول الدنيا يسمونها بالــ "هــو ID " أو الذات ، وهي ميول غرائزية قسمٌ منها مكبوت ٌ من الطفولة تحاول التفريغ عن كبتها بسلوكنا اليومي ، وهي تناقض أنا المثل العليا .. التي يسمونها الضمير ..!!
ما هو الوعي .. وما هو الضمير ؟؟
من خلال ما سبق ، وعبر متابعة تذكرنا لنمو مراحل وعينا عبر فترات عمرنا المختلفة ، نجد بأن هناك " رقيباً ذاتياً Autonomic Monitor " على كل عمليات العقل الشعورية ، هذا الرقيب الذاتي ، وبغض النظر عن تفسيره السلوكي النفسي أو النظرة الدينية إليه ، يمارس نوعاً من التقويم والتقييم لسلوكنا اليومي ..
وتبعاً لحالات مختلفة من الوعي ، تتجلى بسلم ٍ تصاعدي من الطفولة الغرائزية مروراً بالشباب التعلمي العقلي فالشيخوخة المثالية ، فإن الوعي لدى الإنسان البالغ عبارة عن حالات متغيرة بين منظومات عقلية مختلفة من الميول بين الدوافع الغريزية السفلى ... دوافع البقاء مثل التنفس في المقام الأول وشرب الماء في المقام الثاني .. وتناول الطعام في المقام الثالث ، وبين الغرائز العليا التي ظهرت نتيجة للسلوك الاجتماعي كالأمومة والجنس و الأبوة و الألفة والمودة ..
والتي ظهرت نتيجتها مثلنا الاجتماعية العليا التي تعتبر كقواعد عليا للسلوك الاجتماعي ..
الوعي تبعاً لهذه الحالات المتغيرة فيه يمارس الرقابة على العمليات العقلية الدنيا الغريزية والاجتماعية العليا اعتماداً على " مبدأ الأفضلية principle preference " والذي يعني لنا باختصار :
1. يركز الوعي كمراقب على العمليات العصبية التي تخص بقاء أجسادنا حية في المقام الأول .
2. وثانيا يركز الوعي على العمليات العقلية التي تخص الوجود والقيمة الاجتماعية في المقام الثاني .
3. حين تكون دوائر عمل المنظومتين السابقتين مستقرة ، الوعي بالحاجات الجسدية ، يظهر للوعي نطاق أوسع من المراقبة يتجاوز " الجسد " ووجوده الاجتماعي إلى نطاق تجردي جديد ، ومنه يمكننا أن نستنتج ظهور " الضمير " كقيمة تطورية للوعي ..!
لهذا السبب ، فإن مرحلة الطفولة المبكرة جداً ، كما هي لدى الحيوانات تكون خالية من الرقيب الواعي " المجرد " أو " المطلق Absolute " الذي لا يقيس الحوادث إلا بمنظار الميول الغريزية الأساسية ، لكن ، لدى البالغين ، الذين يحتلون مكاناً اجتماعياً معيناً في السلم الاجتماعي ويحظون بقدر من التقدير لأنفسهم نجدهم يمتلكون مراحل الوعي بمختلف مستوياتها ، وحين يتم إشباع جميع الحاجات الأساسية ، نجد أن " الضمير " يصدر تقييمه المجرد عن الشخصية اعتماداً على معطيات الذاكرة الفردية ، أي إن الضمير نفسه في هذه الحالة ليس مجرداً تماماً وإنما يميل نحو طبيعية الحياة الاجتماعية التي عاشها هذا الفرد البالغ ..
البحث عن " الله " في عمليات الدمـــاغ
و لربما لهذا السبب حدث الالتباس في كون الضمير " نافذة " روحية أو مجرد إشارات تصدر من منطقة العلمليات اللاشعورية من العقل التي تحكمها " المثل الاجتماعية العليا " ..
فلكي تكون رقابة الضمير " روحية " صافية ، وكما هو فهمنا للروح من الثقافة الاجتماعية العامة في كونها خالصة ، إلهية ، فمن المفترض أن لا تكون " منحازة " إلى أي معايرة أو مقايسة شخصية فردية أو قومية أو طائفية تخص معايير خاصة دينية أو قومية تعود للفرد نفسه..
فلو كانت كل مشاعرنا المعاكسة بعد سلوك ما ، دافعها الشعور بالذنب تعتمد على قواعد أخلاقية تم تلقينها إيانا من قبل المجتمع ( مثل عليا ) ، فإننا لن نشعر بالذنب إطلاقاً إذا ما قمنا بذبح حيوان ٍ على الطريقة الإسلامية للمرة الأولى ، فنحن حينما نعمد على ذلك وفق الطريقة الشريعة ، فلا داعي للشعور بالذنب مطلقاً ، لماذا نشعر بالذنب في المرات الأولى .. ولماذا يتلاشى هذا الشعور بالتدريج بعد فترة من ممارسة " القتل " الشرعي المبني على قواعد المثل الدينية العليا ...!!؟؟
فتلاشي الشعور بالذنب يعني " ترسخ " عقيدة القتل الشرعي في منظومات الوعي المتداخلة ، ففي هذه المنظومة يعد إقدامنا على هذا الفعل ابتداءاً عمل ٌ أخلاقي نظيف ، لكن لحظة الفعل وما بعده يسودنا شعور ٌ " باطني " بارتكاب جنحة ..!
من أين جاءتنا هذه " القواعد " الخفية التي طغت على مثلنا الاجتماعية والدينية العليا في بادئ الأمر ..؟؟
هل هي هذه " الفطـــرة " التي ورد عنها في القرآن :
(( فطرة الله التي فطر الناس عليها )) ..؟
من أين جاءت للدماغ ، وكيف تفوقت على المثل العليا ، ولماذا بدأت تضعف تدريجياً بممارسة العمل عدة مرات حتى تكاد تتلاشى مثل هذه المشاعر بصورة نهائية لدى القتلة والمجرمين ..؟؟
مالذي يعنيه سماع دماغنا لنداء " الفطرة " ، و مالذي يعنيه تلاشي نداء الفطرة وطغيان نداء المثل العليا فيما بعد ..؟؟
فنحن نعرف أن هناك من يقتل باسم المثل العليا ، دون أن يؤنبه ضميره ..
فيما هناك لا يزال من لا يجرؤ على قتل فأرة ..
استنتاج :
إن ذلك يقودنا نحو استنتاج مؤكد :
الضمير متدرج في تكوين النفس البشرية عبر مسيرة تطور الوعي في حياة الفرد من مستويات متدرجة ، تعمل بكليتها جميعاً في أدمغتنا ، لكن الوعي بمرور الوقت يبدأ بتناسي نداءات الأعماق.
فالفطرة هي أعمق مستويات الضمير ، وتمثل الحافظة الجمعية البيولوجية لعموم الكائنات الحية ، فيما المثل العليا التي يورثها المجتمع بما فيها مثل الدين هي المستوى الأقرب للسطح والتي تطغى على حياة الفرد مع تقدم السن وتزايد خبرة الحياة ، وحتى هذه المثل العليا نفسها يمكن ان تتلاشى بتراكم " مثل فردية عليا " كما يحصل لدى المفكرين والمثقفين الذي يتجاوزون ما تربوا عليه وينهجون منهجاً عقلياً أو مذهباً فكرياً استنتجوه بأنفسهم , وغالباً ما يتهمهم أبناء جلدتهم بالخروج عن الملة والشريعـــة ...!!
فالضمير الطبيعي مرتبط بالطبيعة ، فيما الاجتماعي فهو الأنا العليا التي قصدها النفسانيون ، لكن ، هل الضمير الطبيعي هو " نافذة " الروح المؤدية على الله .. أصل الكون والوجود ..!!
فحتى هذا الضمير , الذي تنطوي به احد اعمق مشاعرنا الإنسانية الصافية الفطرية والتي تكون باجلى صورها لدى الاطفال ماهو إلا بنية " تاريخية " اشترك بتكوينها عموم الوعي الجمعي الشامل لكل مملكة الحياة على الارض حسب مفهوم جوستاف يونك ..
وبالتالي ..
هل هناك اعمق من " الضمير " في بواطن العقل , حتى يمكننا عده النافذة الكونية إلى الله ؟
هل يمكننا إيجاد " منظومة الوعي المجرد المطلق " عن تكوين وكيان بنيوية التطور البيولوجي للدماغ والاجتماعي للعقل ضمن نداءات خفية في الاعماق ؟؟
هل التنبؤآت ... ورسالات الانبياء ورؤى الاولياء وعباقرة التاريخ هي " اشارات " خالصة من قلب الوعي مجردة تماما عن اي ميول كونية أو اجتماعية ؟؟
لا اله الا الله محمد رسول الله