لا تخفى على أحد منا المحنةَ التي تمرُّ بالأمةِ الإسلاميةِ اليوم، ونحنُ
نعيش حربٍ مدمرةٍ تستهدفُ في المقامِ الأوَّلِ الإسلام، ولا يغرَّنَّنا ما
يقال عن نزع أسلحة الدمار الشامل لدى العراق، فهم يريدون بهذه الحجة أن
يصلوا إلى مهد الإسلام للقضاء عليه في معقله، والاستيلاء على ثرواتها، وجعل
المسلمين مجرد خدمٍ لهم، والعراق هي البوابةُ التي سيدخلون منها إلى
أراضينا وإلى مصرَ والشام من أجلِ تقويضِ الإسلام، وتكوينِ دولةِ إسرائيل
الكبرى التي تمتدُ من النيلِ إلى الفرات، ومن الأرزِ إلى النخيل، ومخططُ
الاستعمارِ للقضاءِ على الإسلامِ وُضع منذ أواخر القرن التاسع عشر، وهذا
ما أعلنَه المسؤولون البريطانيون منذ أواخر ذاك القرن، فقد أعلن هذا مستر
جلادستون رئيس وزراء انجلترا، في مجلسِ العمومُ البريطاني، وقد أمسكَ
بيمينه كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وصاح في أعضاءِ البرلمانِ وقال: "إنَّ
العقبةَ الكئود أمامَ استقرارِنا بمستعمراتِنا في بلادِ المسلمين هي شيئان،
ولابد من القضاءِ عليهما مهما كلَّفنا الأمر، أولهما هذا الكتاب، وسكت
قليلاً بينما أشارَ بيدِه اليسرى نحو الشرق وقال :هذه الكعبة!!"*
وقد جاء على لسانِ المُنَصِّر "صمؤيل زويمر"، وهو أحدُ مؤسسي الإرسالية
الأمريكية العربية: ( أنَّ المنصرين الأمريكيين الذين توجهوا إلى الجزيرة
العربية يعتبرون أنفسهم أبناء إسرائيل وحلفاء يهود، ومن ناحية أخرى يعتبرون
استيلاء المسلمين على فلسطين سنة 16 هـ /737م من الأحداثِ الرئيسيةِ في
تاريخِ العالم التي يمكن عن طريقِها نشر النصرانية في قلب الجزيرة
العربية). ومن هنا يتضحُ لنا ارتباطَ حركة التنصيرِ الأمريكيةِ في الجزيرةِ
العربيةِ بالصهيونية وإسرائيل، وتحقيقَ أهدافِها ومطامعِها في قلبِ
الجزيرةِ العربية، ومقصدها مكة والمدينة المنورة بصورةٍ خاصة، وعلينا أن
نتنبه إلى فحوى مضمونِ مقولةِ صمؤيل هذه.
ثُمَّ أنَّنا لو توقَّفنا عندَ مؤتمرِ المجمع المسكوني الثاني الذي عقد في
عام 1965م، نجدُ أنَّ بابا الفاتيكان أعلنَ أنهم سوف يستقبلون الألفيةَ
الثالثةَ بلا إسلام، وفي مؤتمر التنصير الذي عُقد في كلورادو بالولايات
المتحدة الأمريكية أعلنوا أنَّ الحضارة الإسلامية شرٌّ برمتها ينبغي
اقتلاعها من جذورها، وفي شهر مايو عام 1992م صرَّحَ نائبُ الرئيسِ
الأمريكي في حفلِ الأكاديميةِ البحريةِ الأمريكيةِ بولايةِ ماريلاند أنَّهم
قد أخيفوا في هذا القرن ـ أي القرن العشرين ـ بثلاثِ تيارات هي :
الشيوعيةِ والنازيةِ والأصوليةِ الإسلامية، وقد سقطت الشيوعية والنازية،
ولم يبق أمامهم سوى الأصولية الإسلامية، فما أعلنَه الرئيسُ الأمريكي أنَّ
حربَ الإرهاب هي حربٌ صليبيةٌ على الإسلام لم تكن زلة لسان، وكلُّ
الأحداثِ التي حدثت، والمخطط لها تؤكد أنَّ هناك حرباً شرسةً على الإسلام
على مختلف الجبهات، وعلى كلِّ الأصعدةِ، والحملةُ المكثَّفة على المملكةِ
العربية السعودية تؤكدُ ذلك لأنَّ المملكةَ مهد الإسلامِ، ولأنَّها أكثرُ
الدولِ الإسلاميةِ مهتمة بتحفيظ القرآن الكريم للجنسين، وبتدريس المواد
الدينية من تفسير للقرآن الكريم، وحديث وتوحيد وفقه في المراحل الدراسية
المختلفة، وذلك لينشأ أبناؤها على أسسٍ سليمةٍ من العقيدة، والغربيون
يدركون تماماً أنّ الدين الإسلامي والتاريخ الإسلامي يخلو من الحقد الديني
الذي يمتلئ به التاريخ الأوربي، وتلمود اليهود وتشريع التوراة المحرفة،
وتاريخ اليهود الصهاينة في فلسطين.
ومنذُ أكثرَ من ثمانينَ عاماً، أي في أواخرِ القرنِ الماضي أيضاً ـ
الكاتب الفرنسي الشهير مسيو "ايتين لا مي" مقالاً خطيراً في مجلة "العالمين
الفرنسية"دعا فيه إلى ما سمَّاه الخطة المثلى لهدمِ الإسلامِ فقال ما
ترجمتُه :
(إنَّ مقاومةَ الإسلامِ بالقوةِ لا تزيدُه إلاَّ انتشاراً، فالواسطةُ
الفعَّالة لهدمِه وتقويضِ بنيانِه هي تربيةُ بنيه في المدارسِ
المسيحية،وإلقاءُ بذورِ الشَّك في نفوسهِم منذ عهد النشأة، فتفسدُ عقائدُهم
الإسلامية من حيث لا يشعرون، وإن لم يتنصر منهم أحد فإنَّهم يصيرون لا
مسلمين ولا مسيحيين، وأمثالُ هؤلاء يكونون بلا ارتياب أضرَّ على الإسلام
ممَّا إذا اعتنقوا المسيحية وتظاهروا بها)ثمَّ قال:
(إنَّ طريقةَ تربيةَ أبناءِ المسلمين وإن كان لها من التأثيرِ ما بينَّاه،
فإنَّ تربيةَ البناتِ في مدارسِ الراهبات أدعى لحصولِنا على حقيقةِ القصدِ
ووصولنِا إلى نفسِ الغاية التي وراءها نسعى،بل أقولُ إن تربية البنات بهذه
الكيفية هي الطريقةُ الوحيدة للقضاء على الإسلام بيد أهله) ثمَّ قال :
(إنَّ التربيةَ المسيحية أو تربيةَ الراهبات لبناتِ المسلمين تُوجِد
للإسلامِ داخلَ حصنِه المنيع عدوةً لداء لا يمكن للرجل قهرها، لأنَّ
المسلمةَ التي تربيها يدٌ مسيحيةٌ تعرفُ كيف تتغلبُ على الرجل،ومتى تغلبت
هكذا سهُلَ عليها أن تؤثرَ على إحساسِ زوجها وعقيدتِه وتبعدُه عن الإسلام،
وتُربي أولادَها على غير دين أبيِهم، وفي هذه الحالة نكونُ قد وصلنا إلى
غايتنا من أن تكون المرأةُ المسلمة نفسها هي هادمةُ الإسلام..)
وهكذا فإنَّ الغربَ قد نزع في محاولته للقضاء على الإسلام إلى سلوكِ طريقين
في آنٍ واحد، طريقٌ نحو العقيدةِ الإسلامية،طريقٌ نحو الأسرةِ
المسلمة..وقد وصلَ في كلا الطريقين إلى كثيرٍ من مبتغاه..ففيما يتصلُ
بالعقيدةِ الإسلاميةِ قد استطاع أن يغرسَ الإلحادَ في رؤوسِ المحسوبين على
الإسلام زوراً وبهتاناً،كما استطاع أن يُوجِد الفِرقُ المتعددةُ لمناهضةِ
العقيدةِ الإسلامية، فأَبْرزَ ألواناً من التياراتِ الخطيرةِ
الهدَّامة،كالقاديانية،والبهائية، وغيرِهما،عاملاً على إحياء عقائد الفِرق
الباطنية لتحققَ إلى جانبِ موجاتِ الإلحادِ والكفرِ غاية أخطر،وهي الدعوةُ
إلى صرفِ المسلمينِ عن الكعبةِ بزعمِ أنَّ الحجَّ ليس من فرائضِ
الإسلام،وهذا ما قالوه مؤخراً.
أمَّا فيما يختصُّ بالأسرةِ المسلمة،هي حجرُ الزاويةِ في بناءِ المجتمعِ
الإسلامي،هي هدفُهم وغايتُهم، يسعوْن من أجلِ تقويضِ دعائمَ الأسرةِ
المسلمةِ وتمرُّدِ المرأةِ المسلمةِ على زوجيتِها وأموميتِها وحجابها وجعل
هوة ساحقة بينها وبين دينها منذ قرون عديدة، والآن نجدهم قد اخترقوا
بُيوتِنا عن طريقِ تمويلِهم للجمعياتِ الأهليةِ النسائيةِ، ومؤتمراتِ
المرأةِ العالمية، وما يتمخض منها من اتفاقياتٍ مثل اتفاقية إزالة كافة
أشكال التمييز بين المرأة والرجل.
وللأسف نجدُ من نساءِ الأمةِ من يتذمرن من مسؤولياتهِن في التربية،
ويعتبرنها معوقةً لطموحاتهن، قاتلةً لنجاحاتهن، مطالباتِ بإلغاء بعضِ
ثوابتِ الإسلام مثل قوامةِ الرجلِ، وتعددِ الزوجات، وحظ الذكر مثل
الأنثيين، والعدة وغيرها، والسعي وراء ما يسمى بمساواة المرأة وتحريرها،
غير مدركاتٍ لحقوقهِنَّ في الإسلام، ولو ركَّزن في مطالبهن على المطالبةِ
بحقوقهِنَّ في الإسلامِ لصلُحَ حالَ الأمةِ بنيلِهنَّ لهذه الحقوق.
إنَّ أكبرَ تحدٍ يواجُه أمتَنا اليوم هو ثباتُها على دينِها وتمسكِها بها،
وعلى المرأةِ المسلمةِ مسؤوليةٌ جدُّ خطيرة وكبيرة باعتبارِها مربيةَ أبناء
الأمة من حُكامٍ وقادةٍ وزعماء ورؤساء وأطباء وعلماء ومفكرين وأدباء
وشعراء، ورجال إعلام، وزرَّاع وصنَّاع ومهندسين وأطباء ومعلمين وكل فرد في
هذه الأمة، أن تدركَ خطورةَ دورِها، وأن تكون على مستوى المسؤولية التي
كلفها خالقها بها، وأتمنها عليها ، ولكي تدركَ خطورةَ هذا الدور، وتحسنَ
أداءه علينا أن نهتم بإعدادِ المرأةِ المسلمة لتكون أماً وزوجاً صالحة، ولن
يكون هذا إلاَّ بتربيتِها تربية قرآنية صحيحة، وذلك بالعملِ على تحفيظِها
لكتابِ اللهِ وتوثيقِ صلتِها به لتتخلقَ بأخلاقِه، وتتأدبَ بآدابِه، وبذلك
تصلحُ حالُها، وإذا ما صلحت حالُها صلح مجتمعُها؛ لأنَّها المربيةُ الأولى
لأبناءِ الإسلام .
من هنا علينا أن نضاعفَ من جهودِنا لنشرِ حفظِ كتابِ اللهِ بين أبنائِنا
وبناتِنا، ولن يكون هذا إلاَّ بحرصنا على إلحقاهم في حلقات ومدارس تحفيظ
القرآن الكريم التي نعمل على إنشائها في كل مكان، وتوفير لهم الأجواء
لمتابعة الحفظ، مع تقديم الدعمين المادي والمعنوي لدعم هذه المدارس
وحلقاتها لتستمر وتواصل مسيرتها، فصلاح أمتنا لن يكون إلاّ بحفظنا لكتاب
الله وحسن معاشرتنا له، والتزامنا بتعاليمه، لأنه مقوِّمٌ تلقائي
لسلوكياتِنا وأخلاقياتِنا وأقوالنا وأعمالنا، وأكبرُ عاملٍ لصلاحِنا
وعزتنا، فأمةُ القرآنِ لا تقبلُ الذُّلَ والخنوع
أسف على الإطال .