لماذا يتصنًّعون ؟
في حياتنا تسقط الأقنعة ، ويذهب الزيف ، والادّعـاء ينتهي ، والزعــم لا يبقى ، كـذلك الـتصـنَّع لا يـدوم .
الذين يـقنعون أنفـسهم بأنهم يعـملون وهم الكسالى
والذين يقنعـون أنفـسهم بأنـهم على شـأن عـظـيم وأهـمـية قـصوى وهم على غير ذلك
والذين يتـخذون لأنفـسهم سمات العلو والعظمة والعبقرية وهم أخيب خلق الله
والذين يتصرفون بما يعتقدونه خطأ , وهم أنفسهم يشعرون بأنهم في أمس الحاجة إلى تمثيل دور الناجحين لأنهم ليسوا كذلك
فلماذا هذا الادّعاء المصطنع ؟ ولم هذا الانتحال الفاضح ؟
ثانياً : في تعريف التصنّع
قالوا : هو إما ممارسة العـمل بادّعـاء المعـرفة ، أو التـملق في ممارسة العمل ، والذي يترتب عليه كثير من الأمـور كـالإهـمال وسـوء الـمـمارسـة والجهـل ومـا إلى ذلك ، مـما يؤدى إلى الوقـوع في الخـطأ ، ومـن ثم المسـاءلة ، لأن النتـيجة تكـون في غير صالح الإنسان .
وهناك وجه آخر من ممارسة التصنّع وهو أن المعرفة موجودة ولكن المقـدرة قـاصرة عن تحقـيق الهـدف ، مما يجعل العامل يمارس عمله تحت ذريعة الثقة ، وهي في الحقيقة غير موجودة بسبب التباعد بين المعرفة والتطبيق .
ولـذلك لا تنـدهش حيـنما يطلـق عـلى المتصنعـين ألـقـاب مـثـل :
( الاستعـراضـيـون ) ، ( الـمتحـذلـقون ) ، ( المتشدقون ) , ( المتكلفون )
فإن أخطرما في التصنّع هو السلوك المصطنع ، فالسلوك الحقيقي هو الذي ينبع عفوياً من الإنسان ، نتيجة قناعات داخلية في النـفس والعـقـل والـقلب ، أمـا السـلوك المـصطـنع ، فهـو الـسلوك الـظاهـرى ، وليـس في الجوهر ، أى ليست له أي صلة بالإتقان أو بالإخلاص .
فالمتصنِّعون تكشفهم المواقف ، ولو امتلكوا كل أشكال الزخرفة وتنميق الكلمات .
يقول النبى صلى الله عليه وسلم :
[ إن أبغضكم إلىّ , وأبعدكم منى مجلساً , الثرثارون والمتفيهقون , المتشدقون في الكلام ]
وفي رواية : ( ألا هلك المتصنِّعون … ثلاث مرات ) .
ومن كلام الله لموسى عليه السلام :
( يا موسى إنه لم يتصنّع المتصنّعون بمثل الزهد في الدنيا ، ولم يتقرب إلىّ المتقربون المتصنّعون بمثل الورع عما حرمت عليهم ) .
ثالثاً : أسباب التصنّع
1- الخوف :
الخوف عائق كبير يمنع الإنسان من النجاح وبالتالى لا يتقن عمله ، أو يتقدم في حياته ، هذا ما يجعله يتصنّع ويتظاهر ويرائي ويتشدق ويكلف نفسه بما هو ليس موجوداً لديه ، ولذلك فإنه لا يعترف بخوفه ، وهذه أول نقطة في طريق التصنّع ، وبالتالى لا يعبّر عن خوفه ، ويحاول أن يخفيه ، بدلاً من اتخاذ خطوات عملية لعلاجه .
وهذا الـخوف المـسـبب للتصنـّع ، هـو الخـوف الـذي يسـمى : ( الخوف المرضـي ) ، فالخـوف على أشكـال ثلاثة :
الأول : محمود وهو الخوف من الله لقوله تعالى :
{ إنما ذالكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } آل عمران / 175 .
الثانى : الخوف كرد فعل وهذا أمر طبيعى في حياة الإنسان ، وله مبرراته .
الثالث : الخوف المرضي ، وهو من الأمراض الفتاكة ، لأنه خوف من المستقبل ، خوف من المواجهة ، خوف من المغامرة ، خوف من الماضي ، خوف من الموت .
وفـي الحـياة يـؤثر الخـوف علـى شخصية الإنسـان ، وقـوته ونفـسـيـته ويـومه , خاصـة عـند مـواجـهة المشـكـلات والصعـاب , و