الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق وإمام
المرسلين وبعد ،
فإن من فوائد محاسبة النفس : الاطلاع على عيوبها ، ومن لم
يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته ، فإذا اطلع على عيبها مقتها في ذات الله تعالى
ثم لم يجعل من مقته هذا ذريعة للفشل واليأس والإحباط، بل يدفعه دفعاً لبذل المزيد
من الجد والاجتهاد في طاعة الله والفوز برضوانه.
روى الإمام أحمد عن أبي
الدرداء رضي الله عنه قال: "لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ،
ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً ".
وكم نقل لنا التاريخ صوراً من
مقت السلف لأنفسهم:
فها هو الفاروق .. المبشر بالجنة يقول: ويل عمر .. وأم
عمر إن لم يغفر الله لي !!
ليتني أنجو كفافاً ! لا بي ولا علي !!! ويبحث عن
اسمه في قائمة المنافقين!!
ويسقي القوم بيديه حتى يؤدب نفسه ..
ويطلق
ضميره الحي صرخة في لحظة خلوة مع نفسه:
عمر .. أمير المؤمنين !!
بخٍ
.. بخٍ ..
والله لتتقين الله يا عمر .. أو ليعذبنك عذاباً شديداً
!!
وقال بكر بن عبدالله المزني :" لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر
لهم لولا أني كنت فيهم"
وقال أيوب السختياني :" إذا ذكر الصالحون كنت عنهم
بمعزل" .
ولما احتضر سفيان الثوري دخل عليه أبو الأشهب وحمّاد بن سلمة فقال
له حمّاد : يا أبا عبد الله أليس قد أمنت مما كنت تخافه ؟ وتقدم على من ترجوه وهو
أرحم الراحمين. فقال : يا سلمة أتطمع لمثلي أن ينجو من النار ؟ قال : أي والله ،
إني لأرجو لك ذلك.
وذكر عن مسلم بن سعيد الواسطي قال : أخبرني حمّاد بن جعفر
بن زيد أن أباه أخبره قال: خرجنا في غزاة إلى كابل، وفي الجيش : صلة بن أشيم . فنزل
الناس عند العتمة ، فصلّوا ثم اضطجع فقلت: لأرمقنّ عمله ، فالتمس غفلة الناس حتى
إذا قلت : هدأت العيون وثب فدخل غيضةً( الأشجار الكثيفة الملتفة ) قريباً منا ،
فدخلت على أثره ، فتوضّأ ثم قام يصلّي وجاء أسد حتى دنا منه فصعدت في شجرة فتراه
التفت أو عدّه جرواً فلمّا سجد قلت : الآن يفترسه فجلس ثمّ سلّم ثم قال : أيها
السبع ، اطلب الرزق من مكان آخر فولّى وإن له لزئيراً ، أقول : تصدع الجبال منه .
قال : فما زال كذلك يصلّي حتى كان عند الصبح فجلس ، فحمد الله تعالى بمحامد لم أسمع
بمثلها ، ثم قال : اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ، ومثلي يصغر أن يجترئ أن
يسألك الجنّة . قال : ثم رجع وأصبح كأنه بات على الحشايا وأصبحت وبي من الفترة شئ
الله به عالم.
وقال يونس بن عبيد :" إني لأجد مائة خصلة من خصال الخير ما
أعلم أن في نفسي منها واحدة".
وقال محمد بن واسع : "لو كان للذنوب ريح كريهه
ما جلس إلي أحد".
وذكر ابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار أن قوماً من بني
إسرائيل كانوا في مسجد لهم في يوم عيد ، فجاء شاب حتى قام على باب المسجد فقال :"
ليس مثلي يدخل معكم ، أنا صاحب كذا ، أنا صاحب كذا ، يزري على نفسه ، فأوحى الله عز
وجل إلى نبيهم : ( أن فلاناً صدّيق ).
وقال الإمام أحمد حدّثنا محمد بن
الحسن بن أنس حدّثنا منذر عن وهب : ( أن رجلاً سائحاً عبد الله عز وجل سبعين سنة ثم
خرج يوماً فقلّل عمله وشكا إلى الله تعالى منه ، واعترف بذنبه فأتاه آت من الله
فقال :" إن مجلسك هذا أحب إليّ من عملك في ما مضى من عمرك ".
وذكر عن عمران
بن موسى القصير قال : قال موسى عليه السلام " يا رب أين أبغيك؟ قال : ابغني عند
المنكسرة قلوبهم ، فاني أدنو منهم كل يوم باعاً ولولا ذلك انهدموا".
وأنشد
بعض الصالحين:
والله لو علموا قبيح سريرتي ..
لأبى السلام علي من يلقاني
..
ولأعرضوا عني وملوا صحبتي ..
ولبئت بعد كرامة بهوانِ ..
لكن سترت
معايبي ومثالبي ..
وحلمت عن خطئي وعن طغياني ..
وجعلت اسمي في البرية شائعاً
..
وجعلت جميعهم يخشاني ..
فلك المحامد والمدائح كلها ..
بجوارحي وخواطري
ولساني ..
وما أجمل ما قاله أحدهم: والله ما أحبنا الناس بطاعتنا لله ..
ولكن بجميل ستره علينا !!
فبالله عليكم! ما حالنا نحن ؟؟!!
هل
قدرنا الله حق قدره ؟!!
هل عبدناه حق عبادته ؟!!
هل بلغنا مبلغ هؤلاء
القوم ؟!! علماً وورعاً وتعظيماً لشأن الله وقدره ..
أولى بنا والله أن نسكب
العبرات ..
إن الناظر إلى حالنا لا يجد لها عنوانا سوى " التقصير والتفريط"
في حق الله ..
كم نبدع في خلق المعاذير وإلقاء اللوم على الظروف والبيئة
والناس من حولنا !
كم قتلت فينا "سوف" و "ليس بعد" الهمة وطلب المعالي
..
من غفلة إلى غفلة .. ومن لهو إلى لهو .. ومن أمنية إلى رجاء الأغبياء
!!
قال الإمام ابن القيم: رجاؤك رحمة من لا تطيعه، خذلان وحمق ..
ولا
عذر للأشقياء ..!
فمن يحسن الظن .. يحسن العمل .. وحينها فقط ليهنأ بقول
الله في الحديث القدسي:
"أنا عند ظن عبدي بي .. فليظن بي ما
شاء"
وأخيراً .. إلى كل الغافلين .. المعرضين .. اللاعبين المرسلين وبعد ،
فإن من فوائد محاسبة النفس : الاطلاع على عيوبها ، ومن لم
يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته ، فإذا اطلع على عيبها مقتها في ذات الله تعالى
ثم لم يجعل من مقته هذا ذريعة للفشل واليأس والإحباط، بل يدفعه دفعاً لبذل المزيد
من الجد والاجتهاد في طاعة الله والفوز برضوانه.
روى الإمام أحمد عن أبي
الدرداء رضي الله عنه قال: "لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ،
ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً ".
وكم نقل لنا التاريخ صوراً من
مقت السلف لأنفسهم:
فها هو الفاروق .. المبشر بالجنة يقول: ويل عمر .. وأم
عمر إن لم يغفر الله لي !!
ليتني أنجو كفافاً ! لا بي ولا علي !!! ويبحث عن
اسمه في قائمة المنافقين!!
ويسقي القوم بيديه حتى يؤدب نفسه ..
ويطلق
ضميره الحي صرخة في لحظة خلوة مع نفسه:
عمر .. أمير المؤمنين !!
بخٍ
.. بخٍ ..
والله لتتقين الله يا عمر .. أو ليعذبنك عذاباً شديداً
!!
وقال بكر بن عبدالله المزني :" لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر
لهم لولا أني كنت فيهم"
وقال أيوب السختياني :" إذا ذكر الصالحون كنت عنهم
بمعزل" .
ولما احتضر سفيان الثوري دخل عليه أبو الأشهب وحمّاد بن سلمة فقال
له حمّاد : يا أبا عبد الله أليس قد أمنت مما كنت تخافه ؟ وتقدم على من ترجوه وهو
أرحم الراحمين. فقال : يا سلمة أتطمع لمثلي أن ينجو من النار ؟ قال : أي والله ،
إني لأرجو لك ذلك.
وذكر عن مسلم بن سعيد الواسطي قال : أخبرني حمّاد بن جعفر
بن زيد أن أباه أخبره قال: خرجنا في غزاة إلى كابل، وفي الجيش : صلة بن أشيم . فنزل
الناس عند العتمة ، فصلّوا ثم اضطجع فقلت: لأرمقنّ عمله ، فالتمس غفلة الناس حتى
إذا قلت : هدأت العيون وثب فدخل غيضةً( الأشجار الكثيفة الملتفة ) قريباً منا ،
فدخلت على أثره ، فتوضّأ ثم قام يصلّي وجاء أسد حتى دنا منه فصعدت في شجرة فتراه
التفت أو عدّه جرواً فلمّا سجد قلت : الآن يفترسه فجلس ثمّ سلّم ثم قال : أيها
السبع ، اطلب الرزق من مكان آخر فولّى وإن له لزئيراً ، أقول : تصدع الجبال منه .
قال : فما زال كذلك يصلّي حتى كان عند الصبح فجلس ، فحمد الله تعالى بمحامد لم أسمع
بمثلها ، ثم قال : اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ، ومثلي يصغر أن يجترئ أن
يسألك الجنّة . قال : ثم رجع وأصبح كأنه بات على الحشايا وأصبحت وبي من الفترة شئ
الله به عالم.
وقال يونس بن عبيد :" إني لأجد مائة خصلة من خصال الخير ما
أعلم أن في نفسي منها واحدة".
وقال محمد بن واسع : "لو كان للذنوب ريح كريهه
ما جلس إلي أحد".
وذكر ابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار أن قوماً من بني
إسرائيل كانوا في مسجد لهم في يوم عيد ، فجاء شاب حتى قام على باب المسجد فقال :"
ليس مثلي يدخل معكم ، أنا صاحب كذا ، أنا صاحب كذا ، يزري على نفسه ، فأوحى الله عز
وجل إلى نبيهم : ( أن فلاناً صدّيق ).
وقال الإمام أحمد حدّثنا محمد بن
الحسن بن أنس حدّثنا منذر عن وهب : ( أن رجلاً سائحاً عبد الله عز وجل سبعين سنة ثم
خرج يوماً فقلّل عمله وشكا إلى الله تعالى منه ، واعترف بذنبه فأتاه آت من الله
فقال :" إن مجلسك هذا أحب إليّ من عملك في ما مضى من عمرك ".
وذكر عن عمران
بن موسى القصير قال : قال موسى عليه السلام " يا رب أين أبغيك؟ قال : ابغني عند
المنكسرة قلوبهم ، فاني أدنو منهم كل يوم باعاً ولولا ذلك انهدموا".
وأنشد
بعض الصالحين:
والله لو علموا قبيح سريرتي ..
لأبى السلام علي من يلقاني
..
ولأعرضوا عني وملوا صحبتي ..
ولبئت بعد كرامة بهوانِ ..
لكن سترت
معايبي ومثالبي ..
وحلمت عن خطئي وعن طغياني ..
وجعلت اسمي في البرية شائعاً
..
وجعلت جميعهم يخشاني ..
فلك المحامد والمدائح كلها ..
بجوارحي وخواطري
ولساني ..
وما أجمل ما قاله أحدهم: والله ما أحبنا الناس بطاعتنا لله ..
ولكن بجميل ستره علينا !!
فبالله عليكم! ما حالنا نحن ؟؟!!
هل
قدرنا الله حق قدره ؟!!
هل عبدناه حق عبادته ؟!!
هل بلغنا مبلغ هؤلاء
القوم ؟!! علماً وورعاً وتعظيماً لشأن الله وقدره ..
أولى بنا والله أن نسكب
العبرات ..
إن الناظر إلى حالنا لا يجد لها عنوانا سوى " التقصير والتفريط"
في حق الله ..
كم نبدع في خلق المعاذير وإلقاء اللوم على الظروف والبيئة
والناس من حولنا !
كم قتلت فينا "سوف" و "ليس بعد" الهمة وطلب المعالي
..
من غفلة إلى غفلة .. ومن لهو إلى لهو .. ومن أمنية إلى رجاء الأغبياء
!!
قال الإمام ابن القيم: رجاؤك رحمة من لا تطيعه، خذلان وحمق ..
ولا
عذر للأشقياء ..!
فمن يحسن الظن .. يحسن العمل .. وحينها فقط ليهنأ بقول
الله في الحديث القدسي:
"أنا عند ظن عبدي بي .. فليظن بي ما
شاء"
..
قال تعالى:
" اقترب للناس حسابهم
وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون
"
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين